الجمعة، 18 أبريل 2014

علم النقد النصي يثبت تحريف الكتاب المقدس


علم النقد النصي يثبت تحريف الكتاب المقدس
السبت 17 شعبان 1430 الموافق 08 أغسطس 2009
 
علم النقد النصي يثبت تحريف الكتاب المقدس
أبو المنتصر شاهين

الحمد لله نحمده , ونستعين به ونستغفره , ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مُضِل له , ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله , وأشهد أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله , وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه .

ثم أما بعد؛
&artshow-86-117465.htm#171; اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ »(صحيح مسلم-1847).
ما هو علم النقد النصي؟
 هو العلم المعروف بالـلغة الإنجليزية (Textual Criticism ) والذي يهدف إلى تعيين الأخطاء وحذفها من نص نُسَخ عمل أدبي ضاع أصله , في محاولة لإرجاعه إلى أقرب صورة للأصل . أو في كلمات أبسط هو العلم المختص بدراسة النسخ لأي عمل مكتوب , والذي لا نعرف شيء عن نسخه الأصليه , بهدف تعيين النص الأصلي الذي كتبه المؤلف . ولكن ماذا لو كان الأصل نفسه الذي نسعى إليه فاسد ؟ ماذا لو أننا وجدنا بعد التدقيق والتحقيق في جميع النسخ الموجودة ومن خلال النصوص الموجودة في جميع المخطوطات محاولين إستخراج أقرب صورة ممكنة للأصل الضائع , وجدنا أن ما وصلنا إليه في النهاية لا يمكن أبدًا أن يكون مقبولًا؟ تلك هي المصيبة!.
هناك ضرورة لتطبيق النقد النصي على الكتاب المقدس[1] من أجل سببين أساسيين هما ؛
 السبب الأول: هو ضياع جميع النسخ الأصلية.
 والسبب الثاني: أن جميع النسخ الموجودة للكتاب المقدس تختلف عن بعضها البعض؛ لذلك يجب على الناقد أن يدرس هذه النسخ الكثيرة المختلفة، في محاولةٍ منه للوصول إلى ما يَظُنُّه النص الأصلي, أو بتعبير آخر، يحاول استخراجَ الحق من بين ركام الباطل الموجودِ في المخطوطات؛ ليفاضِلَ بين الاختلافات الكثيرة؛ ليختار من بينهم الأقرب إلى الحق . ولكن في بعض الأحيان ما تظنه الحق، يكون أكبر دليل على الفساد والتحريف!

مخطوطات الكتاب المقدس كثيرة , وبينها اختلافات عديدة, بعض هذه الاختلافات تجعل العلماءَ في حيرة شديدة، ولا يستطيعون الوصول إلى الحقيقة التي ينشدونها بعد تطبيق قواعد النقد النصي. ومن ضمن هذه المشكلات العويصة مشكلةٌ مشهورة جدًّا بين علماء الكتاب المقدس الموجودة في نص إنجيل يوحنا 7: 8 (أنا لست أصعد"بعد" إلى هذا العيد) , فإن الكلمة الْمُلَوَّنَة بالأحمر عليها خلاف بين مخطوطات الكتاب؛ هل هذه الكلمة ثابتة ومن أصل الكتاب؟ أم أنها كلمةٌ مُضَافَةٌ من قِبَلِ بعض الذين تلاعبوا بمخطوطات الكتاب المقدس ؟

قد يعتقد القارئ في الوهلة الأولى أن هذه المشكلة تافهة غير جديرة بالتقدير والاهتمام , ولكن عندما نقرأ سياق النصوص التي جاء فيها هذا النص، سنُدْرِكُ تمامًا مدى المشكلة الخطيرة التي نحن بصددها الآن ! .
عندما تقرأ الإصحاح السابع تجد أن ميعاد عيد المظال قد أوشك, وبحسب ترجمة الفاندايك المتداولة في مصر، تجد أن يسوع قال لإخوته في العدد الثامن: (أنا لست أصعد بعدُ إلى هذا العيد) أي أنه لن يذهب إلى العيد في هذا الوقت تحديدًا.. لذلك لا نستغرب عندما نجد يسوع قد صَعِدَ إلى العيد بالفعل في العدد العاشر.
 ولكي تدرك أكثر أهمية كلمة "بعد" في السياق، سنُلْقِي بعض الضوء على أقوال المفسرين , منهم المفسر أنطونيوس فكري[2] الذي بيَّن أهمية كلمة "بعد"، فقال:والمسيح يقول لإخوته: اصعدوا أنتم لتحتفلوا بالعيد كما تريدون، أنا لا أصعد بَعْدُ=أي: أنا لا أصعد الآن معكم، فهو صَعِدَ بعدهم، لكن لا ليُعَيِّدْ مثلهم، أو ليُظْهِرَ نفسه كما يريدون، بل صعد في الخفاء، فهو لا يستعرض قوته، ولا يريد إثارة اليهود، فَوَقْتُ الصليب لم يأتِ بَعْدُ.. ولاحظ دِقَّةَ المسيح، فهو لم يقل: أنا لن أصعد، بل أنا لا أصعد بَعْدُأي لن أصعد الآن. انظر كيف شدَّدَ على الكلمة مرتين في جملة واحدة، مما يدل على حِرْصِهِ الشديد على نَفْيِ تهمة الكذب عن يسوع.
أهمية كلمة "بعد"، لا يختلف عليها أي مسيحي يريد أن يَرُدَّ عن يسوع تهمة الوقوع في الكذب, فقد أورد آدم كلارك[3] في تفسيره ردًّا على أحد أشهر مهاجمي المسيحية, بورفيري[4] الذي اقتبس النص، ولكن في شكل آخر بدون كلمة "بعد", وعلى هذا الأساس اتُّهِم يسوع بالكذب فعلًا. يقول آدم كلارك: بورفيري يتهم سيدنا المُباركبالكذب؛ لأنه قال هنا: أنا لن أصعد إلى هذا العيد، ولكنه فيما بَعْد صَعِدَ , وبعض المفسرين قد قاموا بضجةٍ أكثر من الـلازم , من أجل إصلاح ما رأوه تناقضًا. بالنسبة لي الأمر كله بسيط وعادي. سيدنا لم يقل , أنا لن أصعد إلى هذا العيد فحسب، لكنه قال: أنا لن أصعد بَعْدُ (ουπω ) أو : أن لن أذهب في الوقت الحاضر. كان الحل بسيطًا عند آدم كلارك! ولكن ماذا لو كان المسيح قد قال بالفعل: (أنا "لا" أصعد إلى هذا العيد) ؟ سيكون قد كذب بلا شك ! فأين الحقيقة ؟ هل كذب يسوع، أم لا ؟ ما هي كلمات يسوع الأصليه المدونة في إنجيل يوحنا ؟ هذا هو عمل الناقد النصي .
بنظرة بسيطة إلى الترجمات العربية المختلفة تجد الخلاف واضح للعيان ؛
[الفـانـدايك] اصعدوا أنتم إلى هذا العيد.أنا لست أصعد بعدُ إلى هذا العيد؛ لأن وقتي لم يكمل بَعْدُ.
[المبسطة] اذهبوا أنتم إلى العيد، أما أنا فلن أذهب إلى هذا العيد الآن؛ لأن وقتي لم يَحِنْ بعدُ.
[الإنجيل الشريف] اذهبوا أنتم إلى العيد، أنا لا أذهب الآن إلى هذا العيد؛ لأن وقتي لم يأتِ بَعْدُ.
[ترجمة الحياة] اصعدوا أنتم إلى العيد، أما أنا فلن أصعد الآن إلى هذا العيد؛ لأن وقتي ما جاء بَعْدُ.
[الترجمة اليسوعية] اصعدوا أنتم إلى العيد، فأنا لا أَصْعَدُ إلى هذا العيد؛لأن وقتي لم يَحِنْ بَعْدُ.
[العربية المشتركة] اصعدوا أنتم إلى العيد، فأنا لا أصعد إلى هذا العيد؛لأن وقتي ما جاء بعد.
[البولسية] اصعدوا أنتم إلى العيد؛ وأما أنا، فلستُ بصاعدٍ إلى هذا العيد؛لأن وقتي لم يتِمَّ بعدُ.
[الاخبار السارة] اصعدوا أنتم إلى العيد، فأنا لا أصعد إلى هذا العيد؛لأن وقتي ما جاء بَعْدُ.

هناك أربع ترجمات عربية تجعل يسوع صادقًا, وعددٌ مساوٍ من الترجمات تجعل يسوع كذَّابًا, فمن أين جاء هذا الخلاف ؟! وأي النسخ تحمل الحقيقة ؟ هل هي التي تجعل يسوع كذابًا ؟ أم التي تُنَجِّيه من تهمة الكذب ؟
 لكي نعرف الحقيقةَ يجب علينا أن نفحص مصادِرَ النص من مخطوطات يونانية، وترجماتٍ قديمة، واقتباساتٍ للآباء، فيما يسميه علماء النقد الأدلة الخارجية[5] ثم نبدأ في طرح بعض الأسئلة مثل ؛ أي القراءات أثارت مخاوف الناسخ ؟ أي القراءات هي المحتمل تغييرها ؟ مع تطبيق بعض القواعد الأخرى فيما يسميه علماء النقد النصي الأدلة الداخلية[6] .
كلمة قراءة (variant ) في اصطلاح علم النقد النصي تَعْنِي ببساطة "اختلاف", على سبيل المثال: عندما نستخرج من المخطوطة السينائية نص يوحنا 7: 8 سنقرأ (أنالا أصعد إلى هذا العيد)، أما عندما نستخرج النص من المخطوطة الفاتيكانية سنَقْرَأُ (أناليس بَعْدُ أصعد إلى هذا العيدالاختلاف بين المخطوطات اليونانية في كلمتين ؛
القراءة الأولى[7] : أنا لا أصعد إلى هذا العيد ؛ ἐγὼ οὐκ ἀν&artshow-86-117465.htm#145;&artshow-86-117465.htm#146;&artshow-86-117465.htm#145;ίνω εἰς τὴν ἑορτὴν τ&artshow-86-117465.htm#145;ύτην
القراءة الثانية[8] : أنا ليس بعد[9] أَصْعَدُ إلى هذا العيد ؛ ἐγὼ οὔπω&artshow-86-117465.htm#145;̓ν&artshow-86-117465.htm#145;&artshow-86-117465.htm#146;&artshow-86-117465.htm#145;ίνω εἰς τὴν ἑορτὴν τ&artshow-86-117465.htm#145;ύτην
لذلك يجب على الناقد النصي أن يقرر هل أصل إنجيل يوحنا كان فيه كلمة (οὐκ - لا) أم كلمة (οὔπω - ليس بعد) ؟

عندما يبدأ عالم النقد النصي بدراسة الأدلة الخارجية لمشكلة نصية كهذه, يقوم بتحديد القراءات التي لديه، وفي حالتنا هذه لدينا قراءتان فقط (οὐκ - لا) و (οὔπω - ليس بعد) - ثم يُوضَعُ بجانب كُلِّ قراءة الشواهِدُ التي تؤيدها, وهذه الشواهد مُقَسَّمَةٌ إلى ثلاثة أركان؛ المخطوطات اليونانية , الترجمات القديمة، واقتباسات الآباء .
 في بعض النسخ اليونانية النقدية للعهد الجديد, تجد هناك تقديراتٍ تُوضَعُ بجانب القراءة لتوضيح مدى ثقة الـلجنة القائمة[10] على النسخة اليونانية في أن هذه القراءة هي الأصلية . هذه التقديرات تكون إما A أو B أو C أو D حسب المشكلة النصية محل البحث. وهذه التقديرات في حد ذاتها تُوَضِّحُ عدم قدرتنا على الاعتماد على النقد النصي في الوصول إلى النص الأصلي, وأنه رُغْمَ كل الجهودات المبذولة من العلماء والـلجان المتخصصة القائمة على إصدار نسخ قياسية للعهد الجديد، فإنه ما زال هنا قراءات حَرِجَةٌ جدًّا، لا يستطيع الناقد أن يحسم فيها أي القراءات هي الأصل .
من أشهر النسخ القياسية المستخدمة حول العالم, نُسْخَةُ العهد الجديد اليوناني، الإصدار الرابع الْمُرَاجَع , وفي مقدمة الكتاب[11] تعطي الـلجنة القائمة على النسخة تعريفات للتقديرات الأربعة وهم كالآتي ؛
{A} الـلجنة متأكِّدَةٌ أن القراءة أصلية .
{B} الـلجنة شِبْهُ متأكدة أن القراءة أصلية .
{C} الـلجنة وجدت صعوبة في اختيار أي قراءة يجب وضعها في نص نسختهم.
{D} الـلجنة وجدت صعوبةً كبيرةً في الوصول إلى قرار .

إذا أردنا أن نطلع على نص يوحنا 7: 8 من نسخة العهد الجديد اليوناني الإصدار الرابع المُراجع[12] سنجده كالآتي (ἐγὼ οὐκ ἀν&artshow-86-117465.htm#145;&artshow-86-117465.htm#146;&artshow-86-117465.htm#145;ίνω εἰς τὴν ἑορτὴν τ&artshow-86-117465.htm#145;ύτην )وهذا يعني أن الـلجنة وضعت قراءة (οὐκ - لا) التي تجعل يسوع كذابًا في نص نسختها , ولو نظرنا إلى أسفل الصفحة عند الهامش سنجد تفصيل الشواهدِ لكل قراءة, ولكنَّ المثير للشَّكِّ هو أن الـلجنة وضعت تقديرَ {C} لقراءة (οὐκ - لا) أي أن الـلجنة وجدت صعوبةً في اختيار أي قراءة يجب وضْعُهَا في نَصِّ نسختهم، ولكنهم في النهاية وصلوا إلى أن (οὐκ - لا) هي القراءة الأصلية التي كتبها يوحنا في إنجيله، جاعلًا يسوع كذابًا .
يجب علينا عند هذه النقطة أن نسأل أنفسنا سؤالًا؛ لماذا وجدت الـلجنة صعوبةً في اختيار القراءة ؟ هذا السؤال مهم جدًّا، وسيُوصِلُنا إلى مفاهيم خطيرة جدًا حول الكتاب المقدس ومخطوطاته, والإجابة على السؤال هو أن هناك صراعًا شديدًا بين الأدلة الداخلية والأدلة الخارجية حول تحديد أي القراءات هي الأصل . قبل دراسة الأدلة الخارجية - أي دراسة المخطوطات التي تحتوي على النص - يجب علينا أن نعرف أن العلماء قاموا بتحديد بعض المخطوطات، ووضعوها تحت مُسمى "أفضل الشهواد اليونانية ", أي أنهم اعتقدوا أن هذه المخطوطات تحتوي على أفضل نص يوناني، والأقرب إلى الأصل  وأفضل الشهود اليونانية بالنسبة لإنجيل يوحنا هم البردية 75 والبردية 66 والمخطوطة الفاتيكانية, والمفاجأة هي أن هذه المخطوطات التي تحتوي على أفضل نص يوناني بالنسبة لنص يوحنا 7: 8 في صالح قراءة (οὔπω - ليس بعد) التي لا تجعل يسوع كاذبًا !
 عند هذا الحد قد ينبهر المسلم والمسيحي على السواء، ويسأل نفسه؛ لماذا صعوبة الاختيار إذن ؟ فنقول: الصعوبة تأتي من ناحيتين:
أولًا: وجود مخطوطات وترجمات قديمة كثيرة في صالح قراءة (οὐκ - لا) التي تجعل يسوع كاذبًا.
 وثانيًا: دَعْمٌ لا حدود له من قِبل الأدلة الداخلية لصالح قراءة (οὐκ - لا) التي تجعل يسوع كاذبًا ! فما هي الأدلة الداخلية ؟
الأدلة الداخلية - كما أوضحنا سَلَفًا - هي إجاباتُ بعض الأسئلة التي تجعلنا نصل إلى تقييمِ أيِّ القراءات هي الأصلية، مثل؛ أي القراءات أثارت مخاوف الناسخ ؟ أي القراءات هي المحتمل تغييرها؟ مع تطبيق بعض القواعد الأخرى، مثل: (القراءة الأصعب هي الْمُفَضَّلَةُ كأصلية)، و(القراءة التي تشرح سبب ظهور بقية القراءات هي الْمُفَضَّلَةُ كأصلية) . هذه الأسئلة مع القواعد تساعدنا في الوصول إلى أي القراءات كانت هي الأصل . والآن إلى التطبيق العملي .
عند تقييم القراءتين (οὐκ - لا) و (οὔπω - ليس بعد) من ناحية الأدلة الداخلية نسأل ونقول: أي القراءات أثارت مخاوف الناسخ ؟ أي القراءات هي المحتمل تغييرها ؟ بمعنى : عندما قرأ الناسخ المخطوطة السينائية مثلًا، ووجد أنها تُقْرَأُ :(أنا لا أصعد إلى هذا العيدالتي تجعل يسوع كاذبًا , هل سيرضى بهذه القراءة ؟ هل سيتركها ؟ أم أن هذه القراءة ستُثِيرُهُ، وسيحاول الدفاعَ عن يسوع ورَدَّ تهمة الكذب عنه ؟ بالطبع سيحاول تغييرها بهدفِ تبرئةِ يسوع وعدم تشويه صورته, وهكذا قال العلماء عند دراسة النص من ناحية الأدلة الداخلية, فقد قال العالم بروس متزجر[13] أحد أعضاء لجنة نُسْخَةِ العهد الجديد اليوناني الإصدار الرابع، المُراجع في تعليقه حول نص يوحنا 7: 8 ؛ قراءة (بعد) أُدْخِلَتْ في زمنٍ مُبَكِّرٍ جدًا (مدعمة من البردية 66 و 75) من أجل تخفيفِ التناقُضِ الموجودِ بين العدد 8 والعدد 10 . أي أن سبب التحريف هو رَفْعُ التناقض الموجودِ في أقوال يسوع؛ حيث إنه قال في العدد الثامن: (أنا لا أصعد إلى هذا العيد)، ثم في العدد العاشر نجده قد صعد بالفعل , لذلك تم تغيير كلمة (οὐκ - لا) إلى (οὔπω - ليس بعد) ليُصْبِحُ قول يسوع (أنا ليس بعد أَصْعَدُ إلى هذا العيد)! فلا يكون وقتها كاذبًا!!
بهذا قال أيضًا العالم الألماني فيلند فيلكر[14] في تعليقاته النَّصِّيَّه على إنجيل يوحنا: من الممكن أن يكون الناسخ قد غَيَّرَ (οὐκ - لا) إلى (οὔπω - ليس بعد) من أجل إزالة التناقض بين العدد الثامِن، والعدد العاشر.
بهذا قد علمنا سبب التحريف، وبقي لنا أن نعرض تعليق الناقد النصي المشهور ديفيد بالمر[15] ، الذي له ترجمته الخاصة الإنجليزية للعهد الجديد من اليونانية مع تعليقات نقدية في الهامش , فقد أورد تعليقًا دسمًا على النص؛ حيث قام بِجَمْعِ الكثير من الآراء النقدية الوارِدَةِ حول هذه المشكله، وأعطى لقراءة (οὐκ - لا) التقدير B ، وقال مُعَلِّقًا:النظرية السائدة حاليًا حول قراءة "لستُ بعد أَصْعَدُ" أنه تم إقْحَامُهُ في وقت مُبَكِّرٍ من انتقال النص (P66 ، في عام 200م تقريبًا) ، للتخفيف من حِدَّةِ التناقُضِ الظاهر بين النص الثامن وما فعله يسوع فعلًا في النص العاشر . نستطيع أن نفهم أن الناسخ كان يرغب في الدفاع عن يسوع، لمنعه من أن يظهر كَذَّابًا . ومع ذلك أقول: إن كان هذا هدفَهُم، فقد فشلوا في تحقيقه!
 أولًا : لأن يسوع ما زال مخادعًا؛ لأنه صَعِدَ لا في العلن بل في الخفاء، كما في العدد العاشرحتى بدون كلمة "ليس بعد"، يسوع ما زال مخادعًا لإخوته، وللذين في أورشليم الذين يريدون قتله . ومن الناحية الأخلاقية يجوز الكذب على من يحاولون اغتيالك .
 ثانيًا: وجود كلمة (οὔπω - ليس بعد) ليست ضرورية للمرة الثالثة في هذا السياق، لغرض الدفاع عن يسوع من تهمة الخداع؛ لأننا نرى أن يسوع قالها مرتين في العدد السادس والثامن, ولذلك لم يُنْكِرْ بالكُلِّيَّة أنه لن يصعد أبدًا إلى العيد. وعلى الجانب الآخر؛ حيث إن قراءة (οὔπω - ليس بعد) موجودة في أقدم المخطوطات ، بما فيها تلك التي يعتقد حاليا أنها الأكثرُ موثوقية ، وموجودة في الغالبية الساحقة من المخطوطات، لذلك نستطيع أن نفهم لماذا تُعْطِي لجنة الـUBS تقدير C فقط لهذه القراءة . أما بالنسبة لي ، فلم أرَ أيَّ حُجَّةٍ مُقْنِعَةٍ بخصوص النُّسَّاخ الذين أنتجوا المخطوطات التي لا تحتوي على قراءة (οὔπω - ليس بعد) لماذا قاموا بحذفها ؟ إن من الأسهل بكثير أن نشرح؛ لماذا أضاف الناسخ كلمة (οὔπω - ليس بعد) من أنْ نَشْرَحَ سببَ حَذْفِهَا!
 لا أستطيع إلا أن أقول: إن هذا التعليق رائع جدًا, رُغْمَ وجود بعض الملاحظات لي عليه, ولكنه في المجمل تعليقٌ صريحٌ وقَوِيٌّ، يُوَضِّحُ إشكالية هذا النص بدقة.
وبالرغم محاولة ديفيد لإظهار يسوع في وضع أفضل, إلا أن تبريراته لا تعنينا بِقَدْرِ ما تعنينا تعليقاتُه النَّقْدِيَّهُ حول المشكلة, فالقضية هنا مع كل ناقد نصي هي: المفاضلة بين أفضل شواهد إنجيل يوحنا، والأدلة الداخلية.. ولكن، لماذا في نهاية الأمر يفضل الناقد الأدلة الداخليه على أفضل الشواهد اليونانية ؟ الإجابة ببساطة هي من أجل رفْعِ تهمة التخريب الْمُتَعَمَّدِ من على مخطوطات العهد الجديد!
 ما هذا الكلام الخطير ؟ نعم , هذه هي الحقيقة , فإن كل الناقد المسيحي يؤمن أن جميع الأخطاء الموجودة في المخطوطات وجميع التغييرات التي تمت في نسخ الكتاب كانت بنية حسنة , أي من أجل تصحيح ما يظنه هو خطأً، وليس من أجل الإفساد المتعمد .

أما لو قلنا: إن قراءة (οὔπω - ليس بعد) الموجودة في أقدم المخطوطات هي الأصلية، فهذا يعني أن بعض النُّسَّاخ الذين قد قاموا بإبدال كلمة (οὔπω - ليس بعد) بـ (οὐκ - لا) عمدًا , ولماذا هذا الفعل العجيب ؟
 الجواب الوحيد، والذي يرفضه كل ناقد مسيحي، ولا يستطيع تقَبُّلَه، هو: أن الناسخ أراد إفساد الكتاب وتشويهَ صورة يسوع مع سبق الإصرار والترصد ! لا يوجد أي تفسير آخر , من أجل ذلك تجد الناقد يقبل القراءة التي تجعل يسوع كاذبًا وهو صاغر, ويكون مضطرًا إلى القول بأن قراءة (οὔπω - ليس بعد) الموجودة في أقدم وأفضل شواهد العهد الجديد، ليست هي القراءةَ الأصلية , وأن قراءة (οὐκ - لا) الموجودة في المخطوطة السينائية والبيزية والترجمات الـلاتينية والسريانية والقبطية والأرمينية والأثيوبية والجورجية والسلافينية وموجودة أيضًا في كتب القراءات الكنيسة هي القراءة الأصلية !
القراءة التي تجعل يسوع كاذبًا هي الأصل ؟ نعم.. هذا أهْوَنُ بكثير من أن يقول الناقد: إن هناك نُسَّاخًا أفسدوا في المخطوطات عَمْدًا، وأرادوا وهم في كامل قواهم العقلية تشويهَ صورة يسوع، وجَعْلَهُ يكسر وصيةً من أهم الوصايا، ألا وهي: لا تكذب!
 من هذه المشكلة النصية نجد أن الناقد النصي اختارَ أن يقول بلسان حاله: أنّ أقْدَمَ وأفْضَلَ شواهد العهد الجديد قد دخل فيها التحريف مبكرًا جدًّا , وأنها للأسف لا تحتوي على القراءة الأصلية، ليس هذا فحسب، بل إن الأغلبية الساحقة من مخطوطات العهد الجديد فيها تحريف، ولا تحتوي على القراءة الحقيقة والتي تجعل يسوع كاذبًا .
هذه هي المشكلة التي حيرت العلماء , المشكلة التي جعلتنا نستيقن أن هذا الكتاب ليس له علاقة برب الأرباب , المشكلة التي فضحت مخطوطات العهد الجديد أقدمها وأفضلها، وجعلتها جميعًا بلا أدنى فائدة , المشكلة التي جعلت الناقد النصي المسيحي صاغرًا، ودَسَّتْ أنفه في التراب، وأجبرته على قول أن يسوع كذابٌ في أصل الكتاب !
( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )[آل عمران : 71]
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
وختامًا نسألكم الدعاء لي وللشيخ عرب حفظه الله.
_________________________
*أحد المتخصصين القلائل في علم النقد النصي، ودراسة المخطوطات اليون
[1] The Text of the New Testament Its Transmission, Corruption, and Restoration
Fourth Edition by Bruce M. Metzger and Bart D. Ehrman - Preface to the First Edition P.XV

[2] تفسير أنطونيوس فكري - كنيسة السيدة العذراء بالفجالة
إنجيل يوحنا (الإصحاح السابع) الآيات (8 - 10) - صـ191http://www.arabchurch.com/commentaries/father_antonios/John/7
[3] The Adam Clarke Commentary - New Testament - John Chapter 7
Verse 8. I go not up yet unto this feast http://www.studylight.org/com/acc/view.cgi?book=joh&chapter=007

[4] History of the Christian Church, Volume II: Ante-Nicene Christianity. A.D. 100-325 - by Schaff, Philip

[5] Hearing The New Testament , Strategies for Interpretation http://books.google.com.eg/books?id=hyagcHhk9C0C
Textual Criticism of the New Testament by Bart D. Ehrman - External Evidance P.131
[6] المرجع السابق Internal Evidance P.135

[7] Nestle-Aland 26th/27th Edition Greek New Testament
[8] Greek New Testament (Majority Text) of the Greek Orthodox Church

[9] العهد الجديد يوناني عربي بين السطور - بولس الفغالي - صـ471
قاموس يوناني عربي لكلمات العهد الجديد والكتابات المسيحية الأولى - رهبان دير الأنبا مقار - صـ98
[10] The Committee of The Greek New Testament, Fourth Revised Edition - Barbara Aland, Kurt Aland, Johannes Karavidopoulos, Carlo M. Martini, and Bruce M. Metzger
[11] The Greek New Testament 4th Revised Edition P.3* - The Textual Apparatus - The Evaluation of Evidence for the Text
[12] The Greek New Testament, Fourth Revised Edition P.342 - John 7:8
[13] A textual commentary on the Greek New Testament, second edition by Bruce M. Metzger - John 7:8 - P.185
[14] A Textual Commentary on the Greek Gospels Vol. 4 John by Wieland Willker - TVU 97
[15] A new translation from the Greek by David Robert Palmer
Alternating verse by verse with the ancient Greek text - John 7:8

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق